هى
هل كان علي أن أغشه
أشعر أحياناً أن والدى ربنانى تربية لا تصلح للبنات فى مجتمعاتنا لقد عاملنى باحترام وزرع فى
نفسى مبادىء الصدق والأمانة والشجاعة وقول الحق وكان أبى أولى " ضحاياى "
وأول من أجاهر أمامه بأفكاري وأطالبه بالحرية التى طالما تغنى بها أمامي
وعندما أردت السفر الى الخارج لدراسة فن المسرح تردد أبى وعارض هذا التخصص لأنه حسب
رأيه لا يناسب النساء فى بلدنا ثم عاد ووافق بعد أن تناقشنا فى الأمر نقاش اثنين ناضجين
متحضرين واختار لى فرنسا بلد الأنوار والفنون
ثم كان أبى ضحية تربيته لى مرة ثانية حين كتبت اليه ذات مساء ثلجى قاتم لأقول له أننى
فى ورطة عاطفية فقد أحببت أستاذى الفرنسى وملت اليه بكل جوارحى ولا أدرى كيف ستنتهى
هذه القصة وكنت أتوقع أن أجد ابى واقفاً أمام باب حجرتى فى المدينة الجامعية قادماً بأول
طائرة إلى باريس لكى يلملم كتبى وثيابى على عجل ويعود بى الى بيت الأسرة وأرض الأمان
لكنه اكتفى بهاتف قال فيه : أزورك فى الأجازة ونتحدث فى الأمر .
جاء أبى فى عطلة الربيع وتحادثنا طويلاً آه كم أحبه هذا الرجل العظيم وكم أشعر بالامتنان له
لم أصدق أن اعتراضه الأكبر كان لم يكن على هوية أستاذي ولا على فارق السن بيننا بل
على كونه متزوج واباً لولدين وسألنى " هل أنت مستعدة لهدم أسرة ؟ إذا كنت تتقبلين هذا
الأمر فلن أقف ضد حريتك " وفكرت بالأمر وبكيت ليالى عدة ثم هاتفت أبى وأخبرته
أن كل شىء اننتهى
انتقلت الى جامعة أخرى وأغرقت نفسى فى دراسة تاريخ الفن بدل المسرح ومرت السنوات
وأنا غارقة فى النشاط الثقافى والطلابى أضحك من طرف الفم بعد أن امتلأ القلب بجرح ثقيل
وحين عدت ومعى شهادتى لم يخطر على بالى بأننى سأتزوج لكن التقائى منذر غسل
جرح قلبى بأسرع مما كنت أتوقع كان بسيطاً فى عشقه لى سعيداً بحكايتنا أريحياً فى ابتكار المفاجآت
السعيدة فى كل لقاء من لقاءاتنا ولما حان وقت البوح قلت له ما يجب أن يعرفه ولم أفكر لحظة
أن أغش الرجل الطيب الذى عرف كيف يحرك فلبى بأحاسيس أصيلة وعميقة
هل أجرؤ أن اقول له أنه الحب الحقيقى الأول فى حياتى وأن مافات كان هفوة أول الصبا
وتعويضاً عن غياب الأب ؟
ليتنى مابحت له بحكايتى الساذجة مع أستاذى الفرنسى إننى أقرأ العذاب فى عينيه حتى
ونحن فى اوج امتزاجنا وصفائنا وينتقل عذابه إلىَّ ويزداد حبى له وحنوى عليه فأمنحه
أقصى مايمكن لعاشقه أن تعطيه رجلاً إنه الانسان الذى لن أكذب عليه حتى لو كان ثمن صراحتى
أن أفقده إلى الأبد