*
ملايين المسلمين في أفريقيا اتخذوا من بلال رمزهم في التحرر من العبودية
الشاعر الارلندي اتش. إي. كريغ شاعر معروف بأعماله الادبية وسيناريوهاته السينمائية. لم تكن له أي علاقة بالمسلمين او معرفة بالإسلام. لكن المخرج السوري مصطفى العقاد كلفه بكتابة سيناريو فيلم «الرسالة المعروف» بالانجليزية باسم «محمد رسول الله». وبالطبع ادى به ذلك الى التحري عن هذا الدين. لفتت نظره فيه بصورة خاصة شخصية اول مؤذن في الاسلام، بلال الحبشي. يقول عن ذلك:«كان من نتائج هذا ذلك المشهد المؤثر الذي هز عواطفي وعلق بذاكرتي عندما طلب النبي عليه الصلاة والسلام من بلال ان يؤذن في الناس. قال له: كيف أؤذن و انا عبد اسود فأجابه النبي: لا تفرقة في الاسلام بين عباد الله. فوقف بلال، خائفا مترددا، وضع يديه على اذنيه وانطلق بصوته الجهوري: الله اكبر. الله اكبر. ما زال ذلك النداء الذي سمعته في ذلك الفيلم يرن في اذني. وقد رن في آذان ملايين المسلمين في افريقيا بصورة خاصة فاتخذوا من بلال بطلهم ورائدهم في التحرر من العبودية. لم يعودوا يسمون انفسهم افارقة وانما راحوا ينسبون انفسهم اليه ويقولون نحن البلاليون.
ومن الواضح ان سحر هذه الشخصية الصحابية قد فتن هذا الشاعر الارلندي المسيحي ايضا فكرس سنين طويلة من حياته لدراسة شخصية بلال وأسس الدين الاسلامي وانتهى بكتاب طريف وبليغ نشرته دار كوارتيت البريطانية باسم «بلال». واعادت نشره اخيرا احتفالا بذكراه بغلافه الاسلامي الاخضر.
هناك حملة واسعة الآن لتنوير الغربيين بالإسلام الانساني الصحيح ونشر الكتب الاعلامية العديدة في الموضوع وتصحيح فكر الغربيين عن الدين الحنيف. ما احوجنا اليها. لكنني لا اعتقد ان أي شيء نشروه لا يبلغ في تأثيره ورسالته ما في هذا الكتاب من مزيج رائع. فهو يجمع بين روح الشاعرية الارلندية وروح الموضوعية العلمية والوقائع التاريخية.
يبدأ الكتاب بإعطاء خلفية تصويرية لظهور شخصية بلال في مكة المكرمة فيقول المؤلف بلهجته الشاعرية:
«لماذا؟ لماذا تسيطر على الخيال وتثير التفكير هذه المدينة السمراء، التي الحفتها الشمس بأشعتها، في هذا الوادي المقفر، المجرد من أي شجرة، من دون طير ولا فراشات، من دون نظرة حنونة واحدة من الطبيعة؟ لا تستغرق طويلا في تفكيرك. فهناك هذا البريق الاسود للكعبة يرتقي وسط الصحراء كجوهرة مكنونة البستها السماء على الارض. لها ظل كظل الف شجرة نخيل. انها الواحة السيدة. حتى في ايام الجاهلية كانت مربعا للسلام. لا يجوز لأحد ان يجرد سيفه او يرفع يده على عدوه او يثير أي نزاع او حرب او اضطراب او لصوصية حوالي هذه الكعبة».
هذا كتاب يستحق الترجمة ومن مترجم شاعري.
ينصرف المؤلف بعد ذلك ليستعرض شخصيات تلك المرحلة التاريخية، كل الرجال الذين وقفوا في وجه محمد بن عبد الله، ابو جهل، ابو سفيان، ابو لهب، وغيرهم. وفي هذا المحيط يعطينا صورة من صور العبودية وحياة العبيد قبل الاسلام. يقفون في وجه مساواة الاسلام للبشرية فيتساءلون، كيف يجوز ان يتساوى العبد الذي يباع ويشترى مع السيد الذي يشتريه ويدفع عنه ثمنه؟ لكن بلال رأى غير ذلك في الاسلام فاحتضن دعوة محمد. يمضي الشاعر الارلندي فيتكلم بلسان العبد الحبشي، العبد بلال بن العبد رباح:
«آه يا رب، لم يكن الانسان هو الذي يختارك وانما انت الذي تختار الانسان، فلا احد يؤمن من دون ارادتك. في فجر ذلك اليوم، وبإرادة الله، اسلمت نفسي لربي ودخلت الاسلام.
وفجأة تدفقت في نفسي عذوبة عظيمة جعلتني اصبر على حتى الحبال التي تطوقني. لقد انشدت انشودتي. عرفت ان السلوى الوحيدة لي هي ان اكون قريبا من ربي. عرفت ذلك في حقيقة اقوى من كل عقلي . فأعماق الانسان تكون في قلبه. بدأت أصلي فغدت نفسي مطمئنة. رحت أحمد الله. وشعرت بالسلام يغمر فكري. بدأت اتوق الى رحمته وزال الخوف مني. ثم ارتفعت الشمس بعد ذلك بيده، بيد الله».
لكن عباد الاوثان لم يروا ذلك فمسكوا به وسلطوا على ظهره سياطهم. حتى القوه ارضا، جثة لا حراك فيها. ثم جاؤوا بصخرة عظيمة ووضعوها على صدره، كان بلال اول مسلم يتلقى العذاب عقوبة على ايمانه. وكان في هذه الحالة، بين الموت والحياة، فرآه ابو بكر رضي الله عنه فعرض عليهم شراءه منهم. اعترض ابو سفيان قائلا: لا يجوز بيع عبد عند جلده. هكذا قضت سنن الجاهلية. لكن للدراهم وقعها فأغرى ابو بكر المالك، امية، ببيعه له بمائتي درهم. وتمت الصفقة.
حمله ابو بكر الى بيته وهو غائب عن وعيه لثلاثة ايام. اكتشف في ما بعد ان النبي الكريم كان يزوره كل يوم منها ويصلي بجانبه ويدعو الله ان يمن عليه بالشفاء. ومنها بدأت تلك العلاقة الطويلة التي استغرقت 22 عاما بين العبد المعتق ونبي الاسلام. فكان محمد بن عبد الله لا يترك بلالا واقفا او جالسا في آخر الصف. كان مكانه يلازمه بجانبه. ولا يستفيق النبي صباحا إلا على صوت بلال الذي يبادر اليه عند الفجر ويوقظه، ثم يؤذن بالصلاة.
يمضي إتش. إي. كريغ فيعطينا «سيناريو سينمائي» من المشاهد البارعة عن حياة النبي وصحابته في مكة والمدينة. كيف كان يستأنس بكلمات الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، ونكاته ودعاباته. كيف عمد ابو بكر الى ترويض بلال على الحرية وكرامة الاسلام. يقول له: انت الآن حر ليس عليك سيد، لكن عليك ان تتعلم كيف تكون حرا. وكان من اول دروس الحرية ان علمه القراءة والكتابة. هذا على الأقل ما يرويه المؤلف عنه.
مؤلف هذا الكتاب، كما يبدو لي، متعطش لروح الانسانية وحب الحياة والجمال. ولحسن الحظ انه عكس كل ذلك في كتابه. يروي كيف ان ابا بكر كان يبدأ يومه بعد صلاة الفجر بحلب المعزات الثلاث التي كان يربيها. ويمضي الى قطته بعد ذلك ليعطيها الحصة الاولى من هذا الحليب. وفيما كان النبي يقود جيش المسلمين نحو فتح مكة، صادف كلبة في مخاضها فانحنى بالجيش بعيدا عن الطريق لئلا يزعج الكلبة وهي تلد صغارها.
قلما نلتفت الى مثل هذه اللمسات الانسانية في تاريخ الاسلام. وكيف نلتفت اليها ونحن نطارد الكلاب ونعتبرها حيوانات قذرة ونرمي بالحجارة على اية قطة نصادفها في طريقنا؟
هذا كتاب، كما قلت، جدير بنشره وتوزيعه كجزء صغير من محاولة تصحيح افكار الغربيين، لا بل وافكارنا ايضا عن انسانية الاسلام وسلاميته ومحبته للحياة وكرهه للعنف والضرب والسفك
الشاعر الارلندي اتش. إي. كريغ شاعر معروف بأعماله الادبية وسيناريوهاته السينمائية. لم تكن له أي علاقة بالمسلمين او معرفة بالإسلام. لكن المخرج السوري مصطفى العقاد كلفه بكتابة سيناريو فيلم «الرسالة المعروف» بالانجليزية باسم «محمد رسول الله». وبالطبع ادى به ذلك الى التحري عن هذا الدين. لفتت نظره فيه بصورة خاصة شخصية اول مؤذن في الاسلام، بلال الحبشي. يقول عن ذلك:«كان من نتائج هذا ذلك المشهد المؤثر الذي هز عواطفي وعلق بذاكرتي عندما طلب النبي عليه الصلاة والسلام من بلال ان يؤذن في الناس. قال له: كيف أؤذن و انا عبد اسود فأجابه النبي: لا تفرقة في الاسلام بين عباد الله. فوقف بلال، خائفا مترددا، وضع يديه على اذنيه وانطلق بصوته الجهوري: الله اكبر. الله اكبر. ما زال ذلك النداء الذي سمعته في ذلك الفيلم يرن في اذني. وقد رن في آذان ملايين المسلمين في افريقيا بصورة خاصة فاتخذوا من بلال بطلهم ورائدهم في التحرر من العبودية. لم يعودوا يسمون انفسهم افارقة وانما راحوا ينسبون انفسهم اليه ويقولون نحن البلاليون.
ومن الواضح ان سحر هذه الشخصية الصحابية قد فتن هذا الشاعر الارلندي المسيحي ايضا فكرس سنين طويلة من حياته لدراسة شخصية بلال وأسس الدين الاسلامي وانتهى بكتاب طريف وبليغ نشرته دار كوارتيت البريطانية باسم «بلال». واعادت نشره اخيرا احتفالا بذكراه بغلافه الاسلامي الاخضر.
هناك حملة واسعة الآن لتنوير الغربيين بالإسلام الانساني الصحيح ونشر الكتب الاعلامية العديدة في الموضوع وتصحيح فكر الغربيين عن الدين الحنيف. ما احوجنا اليها. لكنني لا اعتقد ان أي شيء نشروه لا يبلغ في تأثيره ورسالته ما في هذا الكتاب من مزيج رائع. فهو يجمع بين روح الشاعرية الارلندية وروح الموضوعية العلمية والوقائع التاريخية.
يبدأ الكتاب بإعطاء خلفية تصويرية لظهور شخصية بلال في مكة المكرمة فيقول المؤلف بلهجته الشاعرية:
«لماذا؟ لماذا تسيطر على الخيال وتثير التفكير هذه المدينة السمراء، التي الحفتها الشمس بأشعتها، في هذا الوادي المقفر، المجرد من أي شجرة، من دون طير ولا فراشات، من دون نظرة حنونة واحدة من الطبيعة؟ لا تستغرق طويلا في تفكيرك. فهناك هذا البريق الاسود للكعبة يرتقي وسط الصحراء كجوهرة مكنونة البستها السماء على الارض. لها ظل كظل الف شجرة نخيل. انها الواحة السيدة. حتى في ايام الجاهلية كانت مربعا للسلام. لا يجوز لأحد ان يجرد سيفه او يرفع يده على عدوه او يثير أي نزاع او حرب او اضطراب او لصوصية حوالي هذه الكعبة».
هذا كتاب يستحق الترجمة ومن مترجم شاعري.
ينصرف المؤلف بعد ذلك ليستعرض شخصيات تلك المرحلة التاريخية، كل الرجال الذين وقفوا في وجه محمد بن عبد الله، ابو جهل، ابو سفيان، ابو لهب، وغيرهم. وفي هذا المحيط يعطينا صورة من صور العبودية وحياة العبيد قبل الاسلام. يقفون في وجه مساواة الاسلام للبشرية فيتساءلون، كيف يجوز ان يتساوى العبد الذي يباع ويشترى مع السيد الذي يشتريه ويدفع عنه ثمنه؟ لكن بلال رأى غير ذلك في الاسلام فاحتضن دعوة محمد. يمضي الشاعر الارلندي فيتكلم بلسان العبد الحبشي، العبد بلال بن العبد رباح:
«آه يا رب، لم يكن الانسان هو الذي يختارك وانما انت الذي تختار الانسان، فلا احد يؤمن من دون ارادتك. في فجر ذلك اليوم، وبإرادة الله، اسلمت نفسي لربي ودخلت الاسلام.
وفجأة تدفقت في نفسي عذوبة عظيمة جعلتني اصبر على حتى الحبال التي تطوقني. لقد انشدت انشودتي. عرفت ان السلوى الوحيدة لي هي ان اكون قريبا من ربي. عرفت ذلك في حقيقة اقوى من كل عقلي . فأعماق الانسان تكون في قلبه. بدأت أصلي فغدت نفسي مطمئنة. رحت أحمد الله. وشعرت بالسلام يغمر فكري. بدأت اتوق الى رحمته وزال الخوف مني. ثم ارتفعت الشمس بعد ذلك بيده، بيد الله».
لكن عباد الاوثان لم يروا ذلك فمسكوا به وسلطوا على ظهره سياطهم. حتى القوه ارضا، جثة لا حراك فيها. ثم جاؤوا بصخرة عظيمة ووضعوها على صدره، كان بلال اول مسلم يتلقى العذاب عقوبة على ايمانه. وكان في هذه الحالة، بين الموت والحياة، فرآه ابو بكر رضي الله عنه فعرض عليهم شراءه منهم. اعترض ابو سفيان قائلا: لا يجوز بيع عبد عند جلده. هكذا قضت سنن الجاهلية. لكن للدراهم وقعها فأغرى ابو بكر المالك، امية، ببيعه له بمائتي درهم. وتمت الصفقة.
حمله ابو بكر الى بيته وهو غائب عن وعيه لثلاثة ايام. اكتشف في ما بعد ان النبي الكريم كان يزوره كل يوم منها ويصلي بجانبه ويدعو الله ان يمن عليه بالشفاء. ومنها بدأت تلك العلاقة الطويلة التي استغرقت 22 عاما بين العبد المعتق ونبي الاسلام. فكان محمد بن عبد الله لا يترك بلالا واقفا او جالسا في آخر الصف. كان مكانه يلازمه بجانبه. ولا يستفيق النبي صباحا إلا على صوت بلال الذي يبادر اليه عند الفجر ويوقظه، ثم يؤذن بالصلاة.
يمضي إتش. إي. كريغ فيعطينا «سيناريو سينمائي» من المشاهد البارعة عن حياة النبي وصحابته في مكة والمدينة. كيف كان يستأنس بكلمات الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، ونكاته ودعاباته. كيف عمد ابو بكر الى ترويض بلال على الحرية وكرامة الاسلام. يقول له: انت الآن حر ليس عليك سيد، لكن عليك ان تتعلم كيف تكون حرا. وكان من اول دروس الحرية ان علمه القراءة والكتابة. هذا على الأقل ما يرويه المؤلف عنه.
مؤلف هذا الكتاب، كما يبدو لي، متعطش لروح الانسانية وحب الحياة والجمال. ولحسن الحظ انه عكس كل ذلك في كتابه. يروي كيف ان ابا بكر كان يبدأ يومه بعد صلاة الفجر بحلب المعزات الثلاث التي كان يربيها. ويمضي الى قطته بعد ذلك ليعطيها الحصة الاولى من هذا الحليب. وفيما كان النبي يقود جيش المسلمين نحو فتح مكة، صادف كلبة في مخاضها فانحنى بالجيش بعيدا عن الطريق لئلا يزعج الكلبة وهي تلد صغارها.
قلما نلتفت الى مثل هذه اللمسات الانسانية في تاريخ الاسلام. وكيف نلتفت اليها ونحن نطارد الكلاب ونعتبرها حيوانات قذرة ونرمي بالحجارة على اية قطة نصادفها في طريقنا؟
هذا كتاب، كما قلت، جدير بنشره وتوزيعه كجزء صغير من محاولة تصحيح افكار الغربيين، لا بل وافكارنا ايضا عن انسانية الاسلام وسلاميته ومحبته للحياة وكرهه للعنف والضرب والسفك
منقووووووووووووووووووووول